نـــداء
من الدكتور عبد الحميد القضاة*
إلى الأئمة والوعاظ والخطباء في المساجد والمدرسين
وإلى حملة العلم الشرعي حيثما كانوا...
الشباب في خطر...
هذا نداءٌ حارٌ لكم؛ لأنكم ملح البلد، وقادة الرأي، والمسئولون عن التوجيه والإرشاد والتبليغ. ولأنني أعلم حرصكم وحرقتكم على الشباب، وحبكم لهم ولغيرهم. وغيرتكم على الحرمات وسعيكم للحفاظ على عفاف الشباب ومجابهة المنكر. فإنني أقدم لكم هذه المعلومات عن هذه المشكلة – عابرة القارات - التي وصلت إلى بلادنا؛ لتعرفوا عنها، وتحذَروا قومنا منها إرضاء لله –أولاً- ثم حفاظًا على الشباب وقيامًا بالواجب، خاصة وأن أعداء الإنسانية يعملون على أن يكون الجنس والانحلال عناصر الحرب القادمة.
أقدم لكم هذا النداء الأخوي بعد أن عملت في هذا المجال لسنين خلت لتوعية الشباب وتحذيرهم، ولكن الشيطان ومغرياته وأعوانه كُثُر ....... فأين أهل الخير والنخوة.... فإن لم تكونوا أنتم، فمن هم إذن؟
شاكرًا لكم غيرتكم وعملكم العظيم، وأجرنا جميعًا على الذي لا يضيع عنده شيء.
الأمراض المنقولة جنسيًّا والشباب
لم يذكر مؤرخٌ قط انتشار الأمراض المنقولة جنسيًّا إلاّ ذكر تحلل الناسِ من القيمِ العُليا، واتجاههم نحو المادية، وندرة الفضيلة لدرجة الغياب، وتغير نظرة المجتمع للجنس، ولهذا لا يمكن فصلُ الأخلاق عن الجنس، ولمثل هذا كان يُنادي (فرويد)، حيث يقول: "إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي.... وكلُ قيدٍ من دينٍ أو أخلاقٍ أو تقاليدٍ هو قيدٌ باطلٌ ومدمرٌ لطاقة الإنسان، وهو كبتٌ غير مشروع"، وهذا ما أكدته بروتوكولات حكماء صهيون حيث تقول: "يجب أن نعملَ لتنهارَ الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا، إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه".
وهكذا انهارت الأخلاق، وأثمرت جنونًا جنسيًّا محمومًا، وثورةً جنسيةً عارمة، تؤججها الأزياء وأدوات الزينه والتجميل والكتب الخليعة والمجلات الهابطة والأفلام الداعرة، كل ذلك بحجة الحرية الشخصية. وزاد الطين بلة ما تنفثه بعض الفضائيات جهارًا نهارًا، وما يختزنه الإنترنت للشباب من عجائبَ وممارسات جنسية لا تخطر على بال، حتى أنها أصبحت بفخاخها تداهم من لا يبحث عنها، تستدرجه حتى يقع فريسة سهلة لها من حيث لا يعلم، والدليل على ذلك أن صفحة جنسية واحدة على الشبكة استقبلت 22 مليون زائرٍ خلال عام واحد، جلهم بين 12- 17 سنة من العمر.
والأمراض المنقولة جنسيًّا:
هي مجموعة من الأمراض المعدية، تسببها ميكروبات مختلفة تنتقل من إنسان لآخر، بواسطة الاتصالات الجنسية، وخاصة الزنا والشذوذ وما يؤدي إليهما، وهذه الأمراض فرضت نفسها على العالم رغم تقدمه المادي المذهل، فهي تهدد مصيره، وتفسد عيشه، وتصيبه في الصميم، وتنكبه في زهرة شبابه، تعكس آثارها على الفرد معاناة وتشوها وخسارة مادية، وعلى الدول بأبعادها الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية، ويمكن تلخيص ذلك كتابة بالحقائق والأرقام التالية:
أولاً- هذه مشكلة عالمية، لكنها أكثر ما تكون في المجتمعات الغربية، حيث ما يُسمى بالحرية الشخصية محمية بالقانون، وكل شيءٍ مباح -أيًّا كان- ما دام برضى الطرفين، علمًا بأن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن 10% من سكان الكرة الأرضية يصابون بأحد الأمراض الجنسية سنويًّا.
ثانيًا- أجازت الدنمارك عام 1989م الزواج المثلي ( زواج الشاذين جنسيًّا) بحكم القانون، وتبعتها دول أخرى، وآخرها ولاية كالفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، مما شجع الشاذين جنسيًّا، الذين ثبت أن أكبر نسبة لزيادة الأمراض المنقولة جنسيًّا كانت بينهم، وبسببهم.
وقد نُشرت دراسة في أمريكا من مركز مراقبة الأوبئة في أطلنطا (CDC) عام 2002م تقول:"رغم أن مرض السفلس وصل إلى أدنى مستوى عام 2000م، إلا أنه عاد للظهور والزيادة بشكل كبير، خاصة عند الشاذين".
أما في بريطانيا فقد زادت نسبة الإصابات بينهم في السبع سنوات الأخيرة إلى 486% حسبما ورد في التقرير التحذيري الذي صدر عام 2005م.
ثالثًا- تحدث في كل عام مئات الملايين من الإصابات الجديدة ( 750 مليون إصابة جديدة في سنة واحدة حسب منظمة الصحة العالمية) بهذه الأمراض، فمن المصابين من يموت، ومنهم من يتعالج بالوقت المناسب فيشفى، ومنهم من تبقى معه لسنين عديدة ، تشوه أعضاءه التناسلية وتنكِّد عيشه، دون أن يتغير مظهرهُ الخارجي أمام الناس، لكنه أدرى بنفسه ولا يعرف سره إلا الطبيب.
رابعًا- جُلُّ المصابين بهذه الأمراض من الشباب بل المراهقين، حيث الفئة العمرية الواقعه ما بين 15 – 25 سنة هم الأكثر إصابة بهذه الأمراض، ففي التقرير الذي صدر في حزيران عام 2000م، أفادت (باميلا بيك) أن 70% من طلاب المدارس الثانوية يمارسون الجنس قبل تخرجهم، وأن 12% منهم على الأقل يُصابون بواحدٍ أو أكثر من الأمراض الجنسية، وأنَّ 20% من البنات البالغات مصاباتٍ بأحد الأمراض الجنسية دون أن يُدركن ذلك.
خامسًا- يُنفق العالم سنويًّا -حسب منظمة الصحة العالمية- مائة وخمسين مليار دولار على كل ما يخص الأمراض المنقولة جنسيًّا من خدمات وتشخيص وعلاج ، فلو أنها تُنفق في مشاريع تنموية لن يبقى في العالم جائعٌ ولا أمِّيٌّ ولا فقير!!
سادسًا- هذه الأمراض كانت في السابق خمسة، ولكنها ازدادت تدريجيًّا حتى أصبح عددها الآن ثمانية وأربعين مرضًا وإصابة، وذلك بسبب الصرعات الجنسية الجديدة كالجنس بواسطة الفم والشذوذ الجنسي....إلخ، حيث أصبحت جراثيم الجنس تظهر في حلوق الشباب والشابات... ونتيجةً لذلك تظهر أمورٌ جديدةٌ محيرةٌ للأطباء .... حيث يقول الدكتور (كنغ هولمز) في كتابه الجامع "الأمراض المنقولة جنسيًّا" الذي بدأ تأليفه عام 1975م يقول أنه مع صدور الطبعة الثالثة من هذا الكتاب عام 1999م ظهرت إثنا عشرة جرثومة جديدة تسبب إصاباتٍ جنسيةٍ لم تكن معروفةً في السابق، فلم تُدرج في الطبعة الأولى عام 1975م.
سابعًا- هذه الأمراض لا هوية لها إلاّ الزنا والشذوذ والإباحية ، لذلك تكثرُ في بعض المجتمعات والتجمعات السياحية، ومما يساعدُ على انتشارها سرعة الاختلاط، وتقارب المسافات، وكثرة الأسفار التي جعلت العالم قرية صغيرة. وأقل ما تكون هذه الأمراض في المجتمعات المحافظة، التي تنظر للجنس خارج إطار الزوجية بأنه محرمٌ، وتقدسُ الإخلاص للحياة الزوجية، وتعتبره عملاً صالحًا تتقرب به إلى الله، كما هو الحال نسبيًّا في مجتمعاتنا الإسلامية، لكن هذه المجتمعات ليست بعيدةً عن غيرها، وأن شبابها مستهدفون، وأسهل الطرق لسيطرة الأعداء علينا وعليهم هو العبثُ بأخلاقهم وإيقاعهم بمستنقعات الجنس الحرام، الذي يذهب بالأخلاق ويهدم الأسر ويفكك المجتمعات وينشر الأمراض، وفوق كل ذلك غضب إلهي وعقوبة ربانية، مصداقا لقوله تعالى (ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء32] ، وقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ما ظهرتْ الفاحشةُ في قومٍ قط يُعمل بها فيهم علانيةً إلاَّ ظهر فيهم الطاعون (الوباء) والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" [رواه الحاكم]. وقال أيضًا "إذا استحلت أمتي خمسًا فعليهم الدمار: إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ".
ثامنًا: أثبتت الدراسات المختلفه من خلال منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 90% من المصابين على مستوى العالم كانت إصابتهم بسبب الزنا أو الشذوذ الجنسي أو المخدرات، وأكثر سبب في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كان الشذوذ الجنسي؛ ولهذا فالبعد عن المحرمات السماوية هو خير وسيلة لمنع انتشار هذه الأوبئة، ولأنكم أنتم حماة الشريعة الغراء ومفاتيح الخير ومغاليق الشر، فإننا نلجأ إليكم بعد الله في المساعدة بهذه المهمة النبيلة.
وبعد:
فنحن في زمنٍ زُويت فيه الأرض، وتقاربت فيه المسافات، وأصبح العالم فيه قريةً صغيرةً، فما يدور في طرفٍ من الدنيا تراهُ أمامك في لمح البصر، لذا لم يعد هناك مستورٌ يخفى على المراهقين، وبالذات فيما يخص الأمور الجنسية، لقدرتهم الفائقة على استعمال التقنيات الحديثة، فنحن أمام جيلٍ يعلمُ عن الأمور الجنسية أكثر مما نظن ونعتقد ... وسكت عن ذلك الكبار بحجةِ الحياءِ وطال سكوتهم، حتى سالت مياهُ العفن أمراضًا جنسية من تحت أقدامهم وهم لا يدركون .... فقهقه الشيطان ملء فيه من جهلهم.
لهذا فكل الشكر والتشجيع لكم أيها الشيوخ الكرام، يا من تسهرون على حب الخير للناس كافة وتقومون بعمل جليل عجز عنه غيركم، والشكر أيضًا لمن يعقد المحاضرات والملتقيات التربوية ليبحث في موضوعٍ ضروري كهذا؛ لأنه لا يزال يقع في دائرة المسكوتِ عنه، بل هناك من يعارضهُ بحجة الحياءِ المصطنع بل الخجل المهزوم، أو بحجة عدم وجود مشكلة أصلاً لأن مثل هؤلاء هم ممن إذا جهل شيئا عاداه، فكان وبسببهم ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية "الخجل والإخفاء يُضاعف الوباء".
ونحن إخوانكم في الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية الأقرب لهذه الثغرة بحكم التخصص، نعرف أثرها وخطرها، ولأن الرائد لا يكذب أهله، ولأن الخصوم يتربصون بشبابنا ونحن جميعًا في مرمى سهامهم، فإننا نحذر قومنا من خطرٍ داهم، بدأت بوادره تظهر في بلادنا أولا بأول؛ لهذا ولغيره فإننا نشد على أيديكم ونبارك جهدكم، وحرصكم على الشباب في هذا البلد الطيب، وفي كل البلاد، ولأن درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج، فإننا ننتظر منكم خيرًا كثيرًا في هذا المجال، ونبشركم أننا صممنا مشروعًا لوقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيًّا والإيدز، ودرّبنا ألفان وخمسمائة متطوعًا ومتطوعة، وزودناهم بكل ما يلزم من كتب وإحصائيات وصور وملفات؛ ليقوموا بحملات توعوية وتثقيفية للشباب في المدارس والمساجد والمراكز، وقد نفَّذ هؤلاء أكثر من عشرين ألف محاضرة، ووزعوا أكثر من سبعمائة وخمسين ألف نسخه مجانية من الكتب والأقراص المدمجة. ونعمل جاهدين لتأهيل المزيد من المتطوعين مجانًا، لنضع كتفًا مساندًا لكل الجهود الخيرة، ولرفع مستوى الوعي العام في وطننا الكبير تجاه هذه الأمراض وأسبابها، وترهيب الشباب من مخاطرها في الدنيا والآخرة، وكيفية تجنبها بالمزيد من العلم والمعرفة والتدين والعفاف والصبر والالتزام .
* المدير التنفيذي لمشروع "برنامج تدريبي لإعداد مدربين لوقاية الشباب من الأمراض المنقوله جنسيا والايدز" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق